الرياء وانواعة وكيفية علاجة
=======================
بسم الله الرحمن الرحيم
-----------------------------------
اللهم صلِّ وسلِّم على الصادق المصدوق سيدنا محمد
السلام عليكم،
أما بعد، فإن الرّياء داءٌ يُميتُ القلوب، ويَجلبُ الخطوب،
فهو للعمل مُبيد، وعن القربِ من الله يُحيد..
ومن إبتُلِيَ به ضاع عمله كلّه، ومن وُقِيَ منهُ حاز على الثواب جلّه..
قال الملك الديّان عزّ وجلّ: (( فَوَيْلٌ للمَصَلّينَ # الذينَ همْ عنْ صلاتِهمْ ساهون # الذينَ هُم يُرآءون ))
وقال عزَّ مِنْ قائلٍ سبحانه: (( والّذينَ يَمْكُرونَ السَّيْئاتِ لَهُم عذابٌ شَديدٌ ومَكْر أُولئِكَ هوَ يَبور )) ... قال مجاهد –رضي الله عنه-: "هم أهل الرياء".
*****
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يقول الله عزّ وجلّ: مَن عملَ لي عملاً أشرَكَ فيهِ غيري فهو لهُ كلّه، وأنا بريءٌ وأنا أغنى الأغنياء عن الشِرك ))
[رواه مسلم والإمام مالك وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]
رُأى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقيل له: "ما يبكيكَ يا رسول الله؟ "
فقال صلى الله عليه وسلم: (( إني تَخَوَّفتُ على أمتي الشِرك، أمَا إنّهم لا يعبدون صنماً ولا شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكنهم يراؤون بأعمالهم ))
[رواه ابن ماجه والطبراني من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه]
*****
وعن أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يطأطئ –أي ينزل رأسه- رأسه في الصلاة، يظن أن ذلك هو تمامُ الخشوع في الصلاة،
فقال له الفاروق: "يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك! ليس الخشوع في الرقاب ولكن الخشوع في القلوب"
وعن أمير المؤمنين أبي السِبطيْنِ علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم قال: "للمرائي ثلاث علامات: يكسل –أي يكسل عن العبادة- إذا كان وحده،
وينشط إذا كان في الناس،
ويزيد في العمل إذا أُثنيَ عليه –أي مدحه الناس-،
وينقُصُ إذا ذّم"
وعن عكرمة رضي الله عنه: "إن الله يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله، لأن النية لا رياء فيها"
وقال قتادة رضي الله عنه: "إذا راءى العبد يقول الله عزّ وجلّ: انظروا إلى عبدي يستهزئ بي"
أنواع الرياء:
النوع الأول:
الرياء في الدين بالبدن:
كإظهار التعب ليوهِمَ الناس أنه قام الليل،
وإظهار الحزن ليوهِمَ الخلق أنه خائف من الله تعالى ومن عذابه، ومشفقٌ على حال الأمة.
وإظهار النحول ليوهم الناس أنه مجتهدٌ في الصوم.
النوع الثاني:الرياء بالزي والهيئة:
كحفّ الشارب وإعفاء اللحية وتقصير الثوب وإبقاء أثر السجود ولبس الثيا الغليظة، ليظهر للناس أنه زاهد في الدنيا وأن قلب متعلّق بالآخرة وأنه متّبعٌ للسنة المطهرة.
النوع الثالث:الرياء بالقول:كإظهار الوعظ والنطق بالحكمة ووحفظ الأحاديث ليوهم البشر أنه غزير العلم ومعنيٌّ بأحوال السلف.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإظهر الغضب على المنكرات والمعاصي، وترقيق الصوت بالقرآن، وذلك كله ليوهم المسلمين أنه مشفقٌ من عذاب ربه.
النوع الرابع:
الرياء بالعمل:
كالمراءاة بالصلاة والتهجّد والحج والعمرة والصدقة وغيرها من العبادات.
فإذا صلى بجانبِ أحدهم عالمٌ من أهل الدين، خشع في صلاته وأطرق رأسه، ولربما ذرفت عيناه، فإذا انصرف ذاك العالم أسرع في صلاته لا يدري ما يقول.
النوع الخامس:
المراءاة بالأصحاب والزائرين:
كالذي يجبر نفسه على زيارة أحد الصالحين أو العبّـاد، ليُقال: إنّ فلاناً زار فلاناً العابد الزاهد.
فإن ذهب بعدها زائراً لرئيس أو وزير، قيل: إنهم يتركون بزيارته لعظم مرتبته في الدين.
وكالذي يكثر من ذكر الشيوخ والعلماء والفقهاء، ليُعْلِمَ الناس أنه صاحب علم ومعرفة ومخالطة لأهل العلم والفقه، فيكبر بذلك في نفوس الناس.
أركان الرياء:
الركن الأول: وهو المُرَاءَى به –وهي العبادات والطاعات-.
وهذا الركن ينقسم إلى قسمين اثنين:
(أ) القسم الأول:وهو الرياء بأصول الدين، وهذا القسم على ثلاث درجات:
1- الرياء بأصل الإيمان،وصاحب هذا الرياء كافرٌ مخلدٌ في النار، لأنه يراءي بأنه يصدق بوجود الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أما في باطنه فهو كافر بالله ورسوله، فهو في الدرك الأسفل من النار.
2- الرياء بالعبادات مع التصديق بأصل الدين،هذا المراءي مؤمن بالله ورسوله ولكن يأمر الناس بالبرّ ولا يأتيه وينهاهم عن المنكر ويأتيه.
كالذي لا يصلي ولكن إن صادف أنه في جمعٍ من الناس كان في الصف الأول من الصلاة، وإن جاء رمضان وكان في خلوة أفطر وإن كان بين الناس أظهر الصيام.
فإن منزلة هذا الشخص عند الخلق أحب إليه من منزلته عند ربّ الخلق.
هو متكاسل عن العبادات في الخفاء ونشيط أمام الناس.
3- الرياء بالنوافل والسُنن:فهذا يراءي بصلاة الجماعة وعيادة المرضى والسنن الرواتب وصوم النافلة، وكل ذلك حباً في أن يحمده الناس وخوفاً من أن يذمّوه.
(ب) القسم الثاني: وهو الرياء بأوصاف العبادات لا بأصولها، وهذا القسم على ثلاث درجات:
1- الرياء بفعل ما يكون تركه نقصان في العبادة:كالذي يصلي لله عزّ وجلّ وفي نيّـته تخفيف الركوع والسجود وقراءة قصار السور، ولكن إن رآه شخص أتمّ ركوعه وسجود وحسّن قراءته.
وكالذي يخالط صومه السبّ والشتم فإذا رآه الناس أظهر لهم عفة لسانه.
2- الرياء بفعل مُتّمّمٍ ومكمّلٍ للعبادت، ولا يُعَدّ نقصاناً فيها:كالذي يطيل سجوده وركوعه أمام الناس، ويقرأ السور الطوال، ويُظهر الوقار الهدوء وهو صائم وغيرها من الأفعال التي لا يُذَمُّ تاركها ولكنه يُحمد.
3- الرياء بأمور زائدةٍ على النوافل نفسها:كالذي يأتي لصلاة الجماعة قبل القوم، ويصلي في ميامن الصفوف –أي عن يمين الإمام- فلو كان وحده لترك فعل هذا كله والعياذ بالله،
بالإضافة لغيرها في الأفعال.
الركن الثاني:
المرائي لأجله –وهو مراد المرء ومطلبه وبُغيته من هذا الرياء-.
وهذا الركن ينقسم إلى ثلاث أقسام:
(أ) القسم الأول: الرياء للتمكن من معصية أو فجور:كالذي يُظْهِرُ التقوى والصلاح واجتناب أكل الحرام والشبهات، فَيُوَلّى أمراً من أمور الدولة فيسرق ويختلس وينهب.
وكالذي يَخْرُجُ للحج أو العمرة ليلاحظ النساء ويراقبهن.
(ب) القسم الثاني: الرياء للتمكن من أمر مباح من أمور الدنيا:كالذي يُظهِرُ الوعظ والتذكير لتُبذَلَ له الأموال،
والذي يُظهر الدين والوَرَع ليُزَوَّجَ بنات كبار القوم.
(جـ) القسم الثالث: الرياء لدفع ذم الناس له:وهو الذي يرى الناس في طاعاتهم وعبادتهم فيكون معهم، ولو خلا بنفسه كان يفعل شيئاً من ذلك.
كمن يترك المزاح أمام الناس كي لا يُقال أنه من أهل اللهو والعبث والتفاهة.
وكمن أفطر في عاشوراء أو يوم عرفة، ولكنه يُظهر الجوع والعطش.
الركن الثالث: وهو نفس قصد الرياء.وينقسم إلى أربعة أقسام:
(أ) القسم الأول: الرياء بالعمل من غير إرادة الثواب أصلاً:وهو كمن إن كان وحده لا يصلي وإن كان بين الناس صلى، وقد يصلي من غير طهارة، لا يريد يذلك أيّ ثواب.
والذي يتصدق وهو لذلك كارهٌ لكي لا يذمه الناس.
=======================
انتظروا الباقى